رهان طائفي- اختطاف فلسطين ومغامرة لبنان نحو الهاوية

المؤلف: نجيب يماني11.17.2025
رهان طائفي- اختطاف فلسطين ومغامرة لبنان نحو الهاوية

وحدهم ذوو العقول الخاوية والبلهاء والمغفّلون من يكررون المحاولات البائسة، ويتوقون بساطة لرؤية نتائج مُثمرة مع كل تجربة ومقامرة. فأي شخص حصيف ومتبصّر وملمّ بما جرى في غزة والضفة الغربية، إبان مغامرة "طوفان الأقصى"، كان يتوقع تداركًا ومعالجة لوقف نزيف الدماء المستمر، ووضع نهاية لعملية الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني المسالم، بعد أن منحت "حركة حماس" المبررات لهذه المجزرة، التي لا تزال تدمر كل شيء في "القطاع"، بينما يختبئ مسؤولها في خنادق تحت الأرض. وعلى عكس هذا التوقع الرشيد، انبرى "حزب الله" لنفس المغامرة المتهورة ليضع مستقبل لبنان على المحك، ويجعله عرضة لتقديرات الآلة الحربية الإسرائيلية، وحساباتها الأمنية، وأهدافها السياسية، ليؤول بنا المشهد إلى كارثة تنذر بالتحول إلى حرب إقليمية، أو حتى حرب عالمية ثالثة، نظرًا لجميع الأطراف الإقليمية التي تراقب الوضع بحذر ممزوج بالترقب، وأصابعها على الزناد. ويقيني القاطع بأن سرعة الأحداث المتلاحقة وتقلباتها، تجعل من الصعب التنبؤ بنهايات منطقية، أو استقراء مقاربات واقعية يمكن أن تفضي إليها، لأن خيوط تحريك الأحداث في الأصل مرتبطة بشكل أساسي بأجندة خارجية، وتحديدًا بأجندة "طائفية" عبر أذرع ثلاثة: "حماس" و"حزب الله" و"جماعة الحوثي"، بالعمل على جعلها قوى منافسة للسلطات الشرعية في غزة ولبنان واليمن. والنتيجة المؤسفة لهذا الوضع الشاذ هي حالة "الاختطاف" المشبوه لقضية فلسطين، بوصفها قضية العرب والمسلمين الجوهرية، والمتاجرة بها عبر خطاب ديماجوجي مُضلل، يُستغل أبشع استغلال، بتحريك عناصره لتحقيق مكاسب تتعلق بمصالح فردية، وأجندة نفعية، تعرض المنطقة بأكملها لخطر حرب طائشة تفتقر إلى الأخلاق، وبسقف مفتوح لاحتمالات القضاء على القضية الفلسطينية بكاملها وتصفيتها بالكامل. فوحدهم الحمقى والأغبياء والمغفلون من ينتظرون انتصارًا للقضية الفلسطينية من أذرع "طائفية"، والشواهد على ذلك واضحة جلية، فقد زجّت "حماس" في حرب مدمرة أمام العدو الإسرائيلي، بخطاب التحريض الهستيري والنفخ الكاذب والوعود الزائفة بالنصر، لينتهي المشهد التعيس بمسارعة "حماس" إلى المجتمع الدولي بحثًا عمن "يقنع" إسرائيل بوقف الحرب، وإنهاء هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، وكأنها لم "توقظ الفتنة"، ولم تبدأ الحرب، ولم ترهن شعبها لمصير شديد البشاعة والغموض. وها هو "حزب الله" يضع مصير لبنان في وضع مماثل لما في غزة، بل ربما أسوأ وأكثر كارثية، وفقًا لتصريحات حسن نصر الله الذي داعب أحلام السذج بأنه سيضرب حيفا وتل أبيب. من غير المقبول بتاتًا أو منطقيًا أن يبقى مصير القضية الفلسطينية ومجريات الأحداث في لبنان رهنًا بتنظيمات حزبية. ويا ليتها كانت أحزابًا مرتبطة بأرض أوطانها، ومتوافقة مع قضاياها، ومستشعرة لتطلعات شعوبها؛ بل على العكس، إنها مجرد بيادق على رقعة الشطرنج، ودمى في مسرح العرائس، تهيئ للكيان الصهيوني "أفضل" الظروف لتحقيق أجندته المشبوهة، بدعم دولي عنوانه "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، وهو دفاع يتجاوز كل الحدود، وتتلاعب به إسرائيل كيفما تشاء، لغاية ضرب البنية التحتية المدنية، من مستشفيات ومدارس ومراكز إيواء، بحجة أنها مخابئ لقادة حماس، وما عليها من مدنيين عزل دروع بشرية لا مفر من إبادتهم، تحقيقًا لأمن إسرائيل، وهذا ما سيحدث في لبنان مع استمرار الحرب، وإصرار "حزب الله" على المضي في طريق المغامرة المتهورة، وتمكين الكيان الصهيوني من التوغل في العمق اللبناني، إلى أبعد مما يتصوره الجميع، بنفس الحجج التي جرف بها "القطاع"، وحوله إلى رماد وأرض قاحلة. فساذج من يظن أن "إسرائيل" ستكتفي بما فعلته بـ"حزب الله"، من تصفية قياداته، واختراقه، وكشف ضعفه الأمني، وزرع الشك القاتل بين عناصره، وتركه فريسة للتآكل الداخلي الذي سينخر عموده حتى السقوط، وتحويله إلى مجرد "فزاعة" بإذن الله. فالحقيقة أنها ستحرص على وجوده بهذا الشكل، بما يمكنها من إيجاد الذرائع والمبررات للذهاب أبعد من مجرد القضاء عليه، إلى احتلال لبنان بشكل كامل تحت مبرر "الأمن الإسرائيلي"، وستجد الدعم والعون الدولي على هذه الخطوة، طالما هناك مغامرون حمقى ينفذون الأجندة "الطائفية" بكل غباء فادح. إن الإسراع في سحب ملف القضية الفلسطينية من قبضة الارتهان "الطائفي"، وتقليص دور التنظيمات والأحزاب المرتهنة له، ضرورة ملحة لإيجاد حل عادل لهذه القضية، حل يكفل سلامة وأمن الشعب الفلسطيني في وطن ذي سيادة، كما هو الحال بالنسبة لجميع دول العالم في الأمم المتحدة، ويضع حدًا للعبث بـ"المتاجرة" بها، والتلاعب بمصير شعب المنطقة لصالح الأجندة الخارجية. فمن غير المعقول أن يتصدى لنصرة "أعدل قضية دولية" اليوم العابثون بالمصائر، والمغامرون الحمقى، والمغفلون النافعون. فمن لم يحسن فهم التوجيه والأمر الإلهي "وأعدوا" لمواجهة عدوه، ولم يحسن التقدير وقراءة المشهد، ولم يقدّر الأمور حق قدرها، ويجعل من قناعته الشخصية ورغباتها الخفية قائدًا ومحركًا له في مغامرته، فلا أقل من وصفه بـ"الأحمق والمغفل"، وليس في هذا أي دعوة للتخذيل أو الاستسلام أو تبرير الظلم الذي يقع على الشعب الفلسطيني، ولكنها دعوة لإعمال العقل، ووضع الأمور في نصابها، والنظر العميق والمتبصر للأمر الرباني "وأعدوا". فإن أي مواجهة يقدم عليها من يقدم بغير استعداد، لا معنى لها إلا على اعتبارها محاولة "انتحار"، وزج بالشعوب في أتون محرق، ومصير مجهول، ومستقبل قاتم وضبابي، وهو ما آمل أن يعيه "الحكماء" في لبنان، وقد بدت خطواتهم الأولى في "سحب" الملف من "حزب الله" المتعثر، وإعادة الأمور إلى نصابها بتولي الجيش مسؤوليته، وبسط سلطة "الدولة" في جميع أنحاء الوطن، بما ينزع عن "إسرائيل" المسوغ الذي تكسب به رهان التعاضد العالمي، وتوسع به من دوائر عملياتها العسكرية لغايات أبعد من المعلن عنها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة